تأثير الحضارة الحديثة على الأسرة المسلمة
لاحظ الفلاسفة والمحللون الاجتماعيون أن المجتمع بناء مكون من أسر ، وأن خصوصية أي مجتمع يمكن أن تعرف عن طريق التعرف على العلاقات الأسرية فيه . وتذهب أقدم الدراسات الأخلاقية إلى أن المجتمع يفقد قوته عندم يفشل أفراده في القيام بواجباتهم الأسرية . كذلك ، فإن الفلاسفة والمصلحين والزعماء والعلمانيون - في كل العصور كانوا على وعي واضح بأهمية لنماذج الأسرية كعنصر أساسي في البناء الاجتماعي لمجتمعاتهم . الدينيون منهم - إذن ، فلابد من فهم العلاقات والواجبات الأسرية كضرورة لفهم العمليات الاجتماعية
أما الإسلام ، فإنه علاوة على هذا يعطي أهمية عليا لبناء الأسرة كنقطة انطلاق أساسية وجوهرية لأي إصلاح على أي مستوى صغير أو كبير . ولقد ابتدأ النبي محمد خطته العظيمة لتغيير المجتمع العربي بفرض قواعد السلوك الإسلامي في إطار أسرته وعشيرته . وأكد على الحاجة إلى تحريك العمليات الأسرية عن طريق الجهود الفردية والجماعية . وترسم سورة " النساء " في القرآن الكريم أبعاد العلاقات المتنوعة في بناء الأسرة . ومن بين ما تضمنته موضوعات تفصيلية نحو : معاملة النساء وحقوقهن من ممتلكاتهن والشقاق بين الزوجين ... ألخ .
إن القوى الدافعة التي توجه العلاقات الأسرية في الإسلام هي القوى الأخلاقية . والهدف الأسمى لها هو ترقي الإنسان خلقياً وروحيا .
ولقد دلت الدراسات الإنسانية ( الانتروبولوجية ) أن الأسرة - على امتداد عمليات تطورها ونموهها ، وهي عمليات ذات طبيعة عالمية - قد أسهمت في هذا بتقديم خدمات أساسية من بينها انجاب الذرية والدفاع عن أعضاء الأسرة وتحديد نسب الطفل أو موقعـه في المجتمع ثم القيام بالتهيئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي . والأسرة مفهوم شعبيمحبوب على الرغم من تباعتها الثقيلة والمتمثلة في وظائفها الاجتماعية التقليدية والتطويرية . وكل فرد يحس بان الأسرة مهمة له شخصياً ، كما أنها قد برهنت على قدرتها على استيعاب المتطلبات الحديثة بصفة عامة وعلى المستوى العالمي تعتبر فكرة الأسرة محور الترابط بين الناس ، وهي كذلك تمثل الحب والأمن وسواهما من القيم وتعمل كفرة من أرى التماسك الاجتماعي .
اتجهت الحضارة الغربية إلى إعادة توجيه الوظائف الأساسية التي تضطلع بها الأسرة . وبالتحديد ، فإن علمانية الغرب - وما صاحبها من إضفاء الشرعية على الاتجاهات الحسية وعلى نزعة التمرد التي زعموا أنها نتيجة حتمية للتكيف مع قصه الصناعة قد قضت بالتدريج على معاني الاستقامة والإخلاص في النية والعناية بغاري القيم التي يجب على الأسرة المسلمة أن تلتزم بها إن نظام الأسرة عند المسلمين في الوقت الحاضر لهو ثمرة للملابسات الفاسدة التي انطلقت من عقالها ، واستمرت تتابع ، نتيجة للآثار التي تولدت منذ الغزو التتري ، وحتى الهجمة الشرسة للقوى الغربية ذات التوجه الدنيوي ، وبالتحديد ، فإن الأسر المسلمة في أنحاء الهند والباكستان تعتبر حصيلة صراع الثقافات القائم بين قيم الإسلام ومثله من ناحية وقيم الغرب ومثله من ناحية أخرى ، ولقد كانت الأسرة الإسلامية في الهند ، قبل قيام الحكومة الإنجليزية فيها ، واقعة تحت تأثير البيئة الهندوكية المادية على فكر المسلمين وقيمهم . فكان للقوانين الهندوكية في الأحوال الشخصية تأثير على المسلمين في أغلب الأحيان ، وكانت الطقوس والشعائر والعادات والتقاليد - ولا تزال حتى الآن - تعكس هذا التأثير أكثر وأكثر خلال محاولات أباطرة الدولة المغولية هندكة الإسلام . ولقد حاول . أور انجزيب " ( Aurangzeb ) أن يقضي على تلك التأثيرات المناقضة للإسلام ولكن محاولاته أحبطت بسبب سقوط الإمبراطورية الإسلامية وظهور القوى الغربية في الهند وهكذا تعاونت الثقافة الغربية والتأثيرات الهندوكية في القضاء على التأثيرات الإسلامية لتتركا الأسر المسلمة تعيش في وضع شاذ . أضف إلى هذا أن الصفوة " المتغربة " منأبناء المسلمين قد اعتنقت عادات الحاكمين الأجانب وقيمهم وأساليبهم في العلاقات الأسرية . أما من يدعون بالطبقة الوسطى من هذه الأقلية الصغيرة فقد حاولوا الاستمساك بالتقاليد الإسلامية لكن سرعان ما انجذبوا كغيرهم نحو المثالية الموهومة للأنماط الأسرية الغربية أما غالبية المسلمين ممن هووا عن القمة إلى القاع وضربهم الفقر بشدة ، فقد كانوا في غفلة وشغل عن غاية الحياة ، وإن كانوا لا يزالون يتعلقون بما ورثوه من ضلالات
وخرافات ونوادر وتقاليد تنسب إلى " الأولياء " ( المزعومين ).
عن على هذه الأرضية ظهرت باكستان في أفق العالم الإسلامي وهي تنادي بالتحول إلى ما يتفق مع مبادئها الإسلامية . لكنها ت كدولة - لم تستطع أن تفصل نفسها تماماً . التقاليد الهندية ، كما أحدقت بها في نفس الوقت صعوبات عديد، نتيجة للضغوط الدولية . وكان تغلغل النفوذ الغربي جارفاً جداً ، وقد وصف " وليمز Williams) هذه القوى المؤثرة لتيار الانحراف الثقافي الجديد بأنها " ثقافة تكنولوجية أو ذرية للعرف العقلان الفردي
أصبحت الأسرة الباكستانية - نتيجة ظهور هذا التحو الثقافي – تواجه تأثيراً جديداً قوياً مشبعاً تماماً بنظرة علمانية إلى الحياة ، ولذلك تغيرت تغيراً واضحاً في اتجاهات نظر علاقاتها من الناحيتين الشكلية والنفسية ، فتغيرت لديها الأزياء وطرائق التفكير والعمل واختلفت عن طرق حياة وتفكير الاسر الهندية . ولم يحدث هذا في أسر المدن فقط ، بل تجهت الأسر في القرى إلى تقليد الأنماط الغربية . أصبح الناس ينظرون نظرة إعجاب إلى استخدام وسائل التجميل والروائح وألوان الشفاه وسواها من أدوات التزيين . وقلدت نساؤنا نساء الغرب تقليداً أعمى في أزيائهن وتصفيف شعورهن ، وكان لوسائل الإعلام دور فعال في عمليات التأثير هذه . كذلك ، فإن عرض الأفلام الغربية، التي تهتك معايير العفة لدى المرأة الشرقية ، قد أدى إلى نتائج مدمرة في إفساد الأغنياء الجدد ذوي العقول الفارغة وأهل الريف ذوي العقول الساذجة . هذه العدوى لا يمكن الاستهانة بآثارها الظاهرة ، ففي هذا الوضع إشارة واضحة إلى انحراف مستوى القيم . لقد قضى بالتدريج على البساطةالصراعات .
والنقاوة اللتين اعتزت بهما التقاليد الإسلامية الأصلية الصافية . والحق أن الأسرة إذا تركت تعيش على هذا النحو دون رادع أو تحكم فإن الوضع سيؤدي إلى خلق المزيد من
لقد توصلنا - كمتخصصين في علم العمران ( الاجتماع ) ، وعلى أساس دراسات ضيقة النطاق أجريت على نظام الأسرة عندنا - إلى اكتشاف حقائق مرضية أساسية تمكننا من التعرف على طبيعة الفجوة التي تفصلنا عن النظام الإسلامي للاسرة والتي تولدت عن . التأثر الشديد بطرائق التفكير الحديثة الشائعة في المجتمع الغربي . وفي مجال المبادئ ( الأيديولوجيات ( نجد أنه قد انتشرت على مدى واسع تناقضات تضغط على نظام الأسرة فتدفعه إلى الانحراف
يعتبر الإسلام أن وحدة الأسرة هي المحور الأساسي للتماسك . وإن أعمق وأقــوى صور التماسك في كل مجتمع هي صور التماسك الأسري التي تشمل في حدها الأدنى تماسك الزوجين ، والإخوة والأخوات ، والوالدين والأولاد ، والأخ وأخيه ... إلخ . والمدى أوسع أبعاداً من هذه ، لكن تلك الأشكال ذات معان خصبة عند أغلبية واسعة من أعضاء المجتمع . والحضارة الغربية، من خلال اهتمامها بالإنجاز كشرط ضروري للنمو الفردي ، تؤثر تأثيراً بالغاً على المراهقين
وهذا يترجم عملياً في صورة التعلم الفردي للتمكن من التكيف مع أشكال التماسك القائمة على غير أساس الأسرة أو التي لا تأتلف مع الارتباط المبني على أساس الأسرة نظراً لقيام النظام الراسمالي على أساس التمحور حول الذات وعلى مبدأ التنافس المستعر فإن عدداً كبيراً من الشباب يتجاهلون التماسك الأسري ، وهم بهذا يؤذون مشاعر الآخرين " . يقول محمد أسد : " إن النتيجة من الناحية الثقافية هي خلق نمط من البشر تنحصر أخلاقياته في مسألة المنفعة المادية وحدها ، ويصبح النجاح المادي هو أعلى مقياس لديــه لقياس الخير والشر " ومع تزايد الاتجاه نحو الفردية أصبح الشباب يواجه مشكلة التعامل مع من يفترض فيه أن يعولهم ، بالطريقة التي يحبذها الإسلام ، وهم غالباً أسلافه ومن يكبرونهسناً . هذه الأخلاقيات الفردية ، التي تتباين كثيراً فيما بينها ، والتي تعرف غالبا بالقواعد الأخلاقية المتحررة ، يبدو أنها تشيع بين غير المتزوجين وحتى بين المتزوجين ولكن بدرجة أقل .